top of page
سياق

مقدمة العدد | دَوزنة!

هيئة التحرير



يخرج المولود معلنًا عن حقه في سمعنا، يصرخ فنعلم أنه بخير وصحة جيدة، فإن وُلد في سكوت، تنامت حوله المخاوف والفحص السريع لغياب صوته! إنه الصوت، إعلان وجود الإنسان، يرسم بينه وبين الكون أول معرفة عبر نغمة متكررة تصل إلى سمعه في بطن أمه، إنها نغمة قلبها المدوزنة على أنفاسها المتتالية: (دُوم دُوم، دُوم دُوم) هذه النغمة تصبح الموسيقى الأولى التي تعزفها الحياة لسمعه، فتبني جسر أنقى حُبّ بينه وبين أمّه! ثم بضجيجه العظيم يتمرد على النغمة ويصرخ في وجه الحياة، فتكون موسيقاه بلا نوتة سوى نوتة (اسمعوني)! 

هكذا يتجلّى المشهد الموسيقي للحياة في أصواتنا وأصوات الأشياء والأحياء من حولنا، شكل من أشكال الدوزنة المستمرة، نشدّ وترًا مرات، ومرات ترخي لنا الحياة أوتارها، فتغدو الموسيقى حاضرة في وعينا بها، وفي نغماتها المتلونة، إننا نسمع الحياة بالموسيقى، بل إننا نصنع الحياة كما نصنع الموسيقى، أو ربما الموسيقى هي التي تصنع لنا حياة متعددة النغمات، بتشكلاتها وألوانها واختلافاتها، وحضورها البهيج الذي يراقص أفراحنا، وفي (طبطبة) على قلوبنا ساعة انكسار، وهي ذاتها التي تحضر مجنونة مهووسة في طبل الحرب ورقصات الموت والحرية. 

الموسيقى! لغز الإنسان المفهوم بدون حروف، إنها النقرات والرنين والصوت القادم من وسط الأفق حيث كل شيء ولا شيء. الموسيقى! لحظة التجلي وساعة الصفر، وآهة الزمن القادم وسط صخب الاستشراف الجريء. الموسيقى! لوثة الغجر، ومواطنة العَلَم، وفداء الحجر، وزغاريد العرائس، ونفخة الدرويش الملتحف بعباءة الدوران. الموسيقى! تطلّ عليكم من سياق بوجهها الحيّ المتحرك بين تنهيدات العشاق، و مواويل السمّار، وقوافي الشعراء، وتصفيق الجمهور عند فتح الستار. فسياق في هذه المرة تقدّم مجموعة من الألحان التي سجّلتها عقول وقلوب وأرواح ترى من بين السطور أصواتًا متراقصة (دو، رِي، مِي، فا، صو، لا، سي) تستجيب لأبوابها في حديث مع أستاذ اللحن وسيد العود د. نصير شمه عن الهوية الموسيقية، ثم تنقلنا إلى مقام صَبا في حنين متبادَل بين الترجمة والموسيقى والضجيج وتجربة ترجمية لا تنسى ألحانها. ولأنّ اللوحة الموسيقية تحمل أبعادًا نغمية متنوعة، يأتي تشكيل ليطرح مقالًا عن اللحن رسْمًا، وهل تُرسم الألحان؟ ربما!  ولا يتوقف النغم إلى هنا، بل يصعّد ليطارح السِّيكا غرامه القلِق بالحركة الكثيفة فيكون حديثًا كثيف الحركة برؤية نقدية حول الأدب والموسيقى، وما بينهما من ليال لم تكتم سرّ الهوى. وبشيء من رصانة كُرد يطالع "السمِّيعة" مقالًا جدليًا عن المعرفة الموسيقية ووجودها بين قرع بالعصا وضرب بالدف! ليس هذا فحسب، بل هنالك مراجعة كتاب الموسيقى والشعر على أنغام نهاوند الرصينة، وجولة مع الكتابة والإيقاع على أنفاس حجاز الطاهرة. وحتى بلوغ مقال سلالم وتطواف مع الوتر ورحلته من النغمة الأولى وحتى السردية المعاصرة. ولن ينتهي العدد دون مطارحة مع مصطلح (التونالية) المشكل، وحوار جاذب لكل الألحان مع سادن من سدنة النغم. 

إنها سياق مرة أخرى تحاول أن تطربكم بعدد له حلاوة أهازيج متجددة، إذ يصنع بعثًا لريشة زرياب، ويقرّ مجلسًا تدور فيه أقدام طَروب، وتعلو فيه صلصلة خلخالها، ويقارعها الحياة عودٌ ونايٌ وصنّاج ورأس يميل ويقول "الله"!

دَوْزنوا يا سادة نظراتكم القارئة الآن!


٣٣ مشاهدة

أحدث منشورات

سلالم | سردية الموسيقى

فاتن ماجد البليهشي باحثة دكتوراه في الأدب والنقد بجامعة الملك عبد العزيز إن الجدال حول أساس الموسيقى، الذي يتلخَّص في تبنِّي فريق من...

Comments


bottom of page