تفخر سياق في عددها هذا بصدوره في زمن مبارك، زمن احتفال أبناء المملكة العربية السعودية باليوم الوطني 93 تحت شعار "نحلم، ونحقّق"، فسياق حُلم تحقّق، ووصلت أعداده اليوم معكم وبكم إلى العدد الثاني عشر. ويأتي هذا العدد متناولًا موضوعًا يقترب من نفوس القراء كثيرًا في هذا التوقيت بالذات، إنه موضوع "السيرة الذاتية"، هذا النوع الأدبي الذي تأصّل فيه دومًا حضور الوطن والأرض والانتماء إلى البلاد التي يعيش فيها الإنسان حياته حتى يكتب عنها، فلا يكون العمل سيرة ذاتية إلا ويأتي فيه ذكر الوطن وارتباط الإنسان به. إذ يكتب الكاتب عن رؤيته للعالم، واعيًا بذاته ومآلاتها، متصفحًا زمن طفولته ووطنه، وشبابه وسعيه، وكهولته وسكينته. إنّه الفن الذي يواجه الذات بمرآة الزمن، ويعقد حلقاتها وصورها بوشائج المكان، وأي مكان هو الأغلى على الإنسان مثل الوطن!
وكما عودتكم سياق في طرحها المتنوع، إذ تتنقل بالقارئ العزيز بين طرح لمصطلح السيرة الذاتية وما اتصل به، وتقدّم رؤية نقدية عميقة لشؤون السيرة الذاتية السعودية وشجونها، إضافة إلى إطلالة على نموذج سيري مميز، ومرورًا بمراجعة لدراسة تأسيسية لهذا النوع الأدبي الذي غدا اليوم فنًا جاذبًا لاقتحام مناحيه المختلفة. ولا تنسى سياق فتح باب السجال حول السيرة الذاتية وما تعاور من بصمات نقدية وآراء مختلفة حول معناها وإشكالياتها المتعددة، وغير ذلك من الأبواب المختلفة.
إنّ كتابة السيرة الذاتية هي استجابة لوعي الإنسان وعروجه إلى النضج الفلسفي؛ فما يسجّله عن حياته يحمل تساؤلات فلسفية عميقة، وتأملات راشدة لذاته وعالمه وكل ما يحيط به، مستعينًا بسيل الذاكرة وندى الأحلام والآمال. ورغم نشوء هذا النوع الأدبي محفوفًا بالريبة والشك والخوف من كشف المستور ومواجهة العالم بخفايا الزمن، إلا أنه اليوم يمثّل حالة عالمية فريدة، تتسابق الأقلام لامتشاق صهوتها حتى تؤكّد إنسانيتها بكل ما فيها من صواب وخطأ، ومن خيبات كامنة، وآمال متبخرة، ومن إنجازات بهيجة، وأخرى مسروقة، وكثير من الحكايات التي ظنّ الإنسان يومًا أنها لن تجرؤ على فتح الباب والخروج في وضح النهار. إنها التجربة الإنسانية التي يعيشها القارئ، فيستوثق بها وجوده التواصلي، ويتحرى تلك المناطق المشتركة بينه وبين السارد، فيطمئن بأنه ليس وحده في هذا العالم.
السيرة الذاتية كتابة من نوع تتجلى فيه الإنسانية في سمو المشاركة، وعبق البوح، ولثغة "الفضفضة"، وحكمة التجريب، وصدق المشورة، إنها تلك الكتابة التي تستحثّ الحياة من جديد، وتؤطر أفقها بالإنسانية، الإنسانية وحدها. وسيرتنا في هذا العدد هي سيرة وطن، عظيم، سيرتنا الذاتية اليوم نعيشها جميعًا بلون أخضر وطموح مشرق وأحلام محققة، وكل عام وأنت بخير يا وطني، وكل عام وأنت سيرتنا الذاتية.
Comments