top of page
سياق

تشكيل | الأمومة فنًا


نوف السماري

فنانة تشكيلية



تختلف صورة الأمومة كأيقونة في الفن باختلاف الثقافات، إلا أنها دائمًا ترمز إلى القوة والتضحية والحب والحكمة والرعاية، ونجد ثنائية الأم والطفل موضوعًا مفضلًا في الفن، حيث ظهرت في لوحات عدة منذ عصر النهضة إلى الفن المعاصر، وترمز أيقونية علاقة الأم والطفل إلى العديد من الموضوعات، مثل: الخصوبة، والإنسانية، والفداء، والحب، والرعاية، والتحمل.  وقد نجد التعامل مع هذه الفكرة كاملة يختلف في تناوله من الفنان الرجل إلى الفنانة المرأة. في تعامل الفنان مع صورة الأمومة، التي انعكست في الفن لعدة قرون، مثل: نموذج مريم العذراء -الذي اتخذ تاريخيًا الشكل الأيقوني لقصة  "مادونا والطفل"-  محورًا لكثير من الأعمال المعروفة لعدد من الفنانين، مثل: ليوناردو دافينشي، ودوتشيو، وأسماء أخرى  بارزة في تاريخ الفن الغربي.


لوحة الأم والطفل

للفنان الإيطالي دوتشيو



ونجد أيضًا أعمالًا أخرى لدى رامبرانت وسلفادور دالي ممن اتخذوا أمهاتهم مصدر إلهام مباشر لبعض أعمالهم بدلًا من استعارة قصة معروفة. وبالمقابل هنالك فنانات نساء بارزات يشكلن روايتهن الخاصة أيضًا في رسم أمهاتهن أو أمهات آخرين مع أطفالهم، مثل: إليزابيث لويز فيجي لو برون، وماري كاسات حيث عرفن بتصويرهن للأمهات والأطفال وتحديدًا الفنانة الأمريكية ماري كاسات، التي عاشت معظم مراحل حياتها البالغة في فرنسا حيث صادقت إدغار ديغا، وعرضت لاحقًا لوحاتها مع الانطباعيين،  ويأتي العديد من لوحاتها -إن لم يكن أغلبها- من مشاهد حياة النساء حولها في حياتها الاجتماعية، مع تركيزها بصورة خاصة  على  جمال علاقة الأمهات وأطفالهن، يمكن إيجاد أغلب أعمالها في متحف الفن المعاصر "موما" نيويورك أمريكا.


 أم تخيط 

ماري كاسات


بورتريه للفنانة إليزابيث لويس فيجي مع ابنتها

للفنانة إليزابيث لويس فيجي 



أما الفنانة  الإنجليزية ليونورا كارينجتون التي يتخذ فنها شكلًا سريالي التنفيذ، فتأتي بوجهة نظر مختلفة في سياقنا هنا، حيث تجرأت على التطرق إلى موضوعات الحمل والخصوبة بصورة مختلفة في تناول أشكال الأمومة آنذاك، التي كان من الصعب التحدث عنها بتلك الجرأة، بعدما تأثرت الغالبية العظمى من التمثيلات المبكرة للأمهات في تاريخ الفن الغربي بشدة بمنظور الفنانين الذكور؛ ونتيجة لذلك كانت صور الأمومة في كثير من الأحيان أحادية الجانب، وتعكس التوقعات وليس الحقائق، وتتجاهل التعقيدات المتعلقة بما يعنيه أن تكون أمًا  في نظر ليونورا.  


ليونورا كارينجنتون


بورتريه شخصي (نَزل حصان الفجر)

ليونورا كارينجتون ١٩٣٨


في لوحة (نزل حصان الفجر) رسمت كارينجتون نفسها جالسه على حافة الكرسي وهي تشير إلى الضبع الحامل، وخارج نافذتها يركض حصان أبيض بري بحيوية، تشير  إلى أنه يمثل الحرية التي ترغب فيها كارينجتون، بينما يعكس الضبع شعورًا بأنها محاصرة في حياتها القادمة.


فريدا كالو أمام إحدى لوحاتها


وفي رواية مغايرة بعض الشيء في تناول الأمومة نجد الفنانة المكسيكية فريدا كالو قد تعاملت مع ذلك بشعور عميق ومختلف من الفقد، ونظرًا إلى حالتها الصحية والحادث الذي مرت به، وعلاقتها غير المستقرة مع زوجها دييجو ريفيرا -حيث مرت بأربع حالات إجهاض- والمعروف عن كالو أنها تعتمد على مشاعرها بشكل كبير لفهم نفسها وجسدها، والتعبير عن ذلك في رسم لوحاتها. فبعد أول تجربة إجهاض التي كانت قد غيرت حياتها  بعد حملها وهي في الشهر الثالث بعدما نزفت بشكل مرعب، رسمت بعد ذلك لوحة "مستشفى هنري فورد" عام ١٩٣٢ وكانت انعكاسًا عن مدى تأثرها وعاطفتها المشحونة بآلامها الجسدية والعاطفية بعد ذلك الحادث المأساوي، لكنني لن أرفق العمل إياه هنا حيث وجدت بأن ما رسمته لاحقًا بعد ذلك العمل يحمل الألم الممتد الذي شكّل لوحتها الأشهر والأكبر لوحة "الفريداتين"، التي ربطت فيها كل آلامها من الحادث والوضع الصحي لها، وفشل الأمومة وكيف تحولت من شخص لآخر. يذكر أن العمل رُسم عام ١٩٣٩، وموجود في متحف الفن الحديث في المكسيك.


فريداتين

فريدا كالو ١٩٣٩

الفنانة لويز بورجوا


وفي سياق ربما أكثر معاصرة في الفن تأتي الفنانة الأمريكية/فرنسية لويز بورجوا، حيثُ شَرعت في نهاية تسعينيات القرن العشرين في اتخاذ العنكبوت رمزًا جوهريًا في الفن الخاص بها، ولعل أشهر منحوتة لها هي منحوتة  "الأم"، التي يزيد ارتفاعها على تسعة أمتار، هي منحوتة من الفولاذ والرخام، وفيما بعد صُبّت ستة أشكال برونزية منها، صُنعت وعُرضت لأول مرة بوصفها عملًا أساسيًا في متحف تيت مودرن لندن عام ٢٠٠٠، وأيضًا في مركز قطر الوطني للمؤتمرات عام ٢٠١٢، وفي عدة أماكن أخرى بين سيئول، وأوتاوا، وطوكيو، وإسبانيا، والعديد من المدن بين الوجود المؤقت والدائم، وعن المعنى الذي تحمله المنحوتة في استدلالها نحو أمها بالعنكبوت هي إشارة إلى صلابة والدتها وبراعتها في الغزل والخياطة، مع قدرة الحماية وتربية أبنائها، وكانت تطلق على أمها "المرأة العنكبوت"، تقول لويس برجوا عن ذلك: 

"منحوتة العنكبوت هي قصيدة لأمي . . كانت صديقتي المفضلة. وكانت نساجة بارعة . .  شبيهة بالعنكبوت. امتهنت عائلتي عمل تجديد الأنسجة، وكانت أمي تُدير ذلك المعمل. وكانت بارعة مثل العناكب. نعرف أن البعوض ينقل الداء، لذلك لا توجد حاجة إليه. لكن وجود العناكب ودي لأنه يأكل البعوض. العناكب نافعة وحامية، بالذات مثل أمي".




 

منحوتة "الأم" في  إسبانيا منحوتة "الأم" في قطر


تعددت بين الفنانين محاولة تناول الأدوار والتحديات المختلفة التي تواجهها المرأة كأم، ويختلف ذلك التناول بين تقديم الفنان الرجل عن تناول الفنانة المرأة لأكثر من جانب في مشاعرها بعيدًا عن الصور النمطية المتعارف عليها، إلا أن دور الأم يظل واحدًا بين تربية الطفل و رعايته، وكأنما الأم هي الملاك  الحارس  للطفل حتى يتخلق إنسانًا بالغًا قادرًا على العطاء وتدبير شؤونه.



أحدث منشورات

Kommentare


bottom of page