سارت للفنون - فوز الجميل
ظهر الفنّ الرقمي أولًا في الستينيات من القرن العشرين، بوصفه نوعًا من الممارسات الفنية المعاصرة التي تستخدم التكنولوجيا الرقمية كعنصر أساس في عملية الإبداع الفني. اكتسب هذا الفن الاعتراف العالمي في الثمانينيات مع بروز الحواسيب الشخصية، ومنذ ذلك الحين أصبحت الرسومات الرقمية والنحت والتركيبات التفاعلية وتجارب الواقع الافتراضي جزءًا غير قابل للتجاهل في المشهد الفني العالمي. الفنّانون من دول وخلفيات مختلفة قدموا مساهمات قيّمة للحركة الفنية الرقمية، ومنهم الفنّانة بيان ياسين، وهي فنّانة بصرية سعودية متميزة، أحرزت نجاحًا ملحوظًا في هذا المجال.
بيان ياسين، فنانة سعودية متخصصة في الرسم الرقمي وكتابة قصص الأطفال، قدمت أعمالًا متميزة بشكل كبير في المشهد الفني الرقمي المحلي. ويتميز فنها بالجمع بين الأدب والرسم، حيث تستخدم الرسوم المتحركة لرواية القصص المحلية بطريقة تعليمية مرئية تستهدف الأطفال. مثل هذه الجهود تقدم نموذجًا متميزًا للتكامل بين الفن والتكنولوجيا والتعليم في إيصال رسائل مهمة.
نجد بيان ياسين موجودة بنشاط في العديد من الندوات والفعاليات، حيث تشارك تجربتها الفنية الفريدة. مثال على ذلك، شاركت في ندوة بعنوان «أدب الأطفال - نص مرئي ورسم متحرك» التي كانت جزءًا من فعاليات مهرجان الكتاب والقراء، الذي نظمته هيئة الأدب والنشر والترجمة في مدينة الخبر بالمنطقة الشرقية.
كما أسهمت ياسين في تجارب فنيّة رقمية ساهمت في صنع هوية مناسبات وأماكن محليّة متعددة، مثل تعاونها مع معارض «وجوه في السعودية»، وذلك عبر إنشاء هوية اليوم الوطني السعودي. نتج عن هذا التعاون عمل فني غني بالتفاصيل الجميلة المستوحاة من التراث السعودي، مع تناغم فريد مع جماليات العصر الحالي.
من الجدير بالذكر أن الاعتراف بمساهمات بيان ياسين الفنية الرقمية لم يقتصر على الحدود الفنية فحسب، بل ضُمن أحد أعمالها في كتاب الفنون «نظام المسارات» للصف الثاني الثانوي، الذي أصدرته وزارة التعليم في السعودية. وهذا مما يدلّل على تقدير الجهات التعليمية لدورها المتميز في الساحة الفنية.
يتسم إبداع بيان ياسين الفني بأنه يحاكي ببراعة تفاصيل الحياة اليومية في الحجاز من منظور امرأة. من بين أبرز أعمالها الرقمية المثيرة للاهتمام، عملها الفني المعنون في صفحتها على موقع إنستجرام بـ«دوها يا دوها». هذا العمل الفني يصور لحظات خاصة وعابرة من حياة أم تهتم بطفلها النائم، بتفاصيلها الأكثر تناهيًا ودقة. العمل لا يتوقف عند هذا الحدّ، بل يصف أيضًا الجو المحيط بالأم، حيث يمكن رؤية أشياء متنوعة متناثرة حولها كالأحذية، ولعبة «الكيرم» التراثية، وكتاب تعليم الخط العربي الذي كان شائعًا في المدارس السعودية، وكوب الشاي، إضافة إلى رجُل يستريح على فراش مزين بخطوط عريضة ورسومات النخيل. يتجاوز العمل البساطة الظاهرة ليكشف عن مستوى فنّي عالٍ في التفاصيل والظلال المرسومة رقميًا. يتسم العمل بألوانه الهادئة والدافئة التي تترجم ببراعة مشاعر الحب والراحة بين الأم وطفلها، وهو الأمر الذي يبرز مهارات بيان ياسين في التقاط التفاصيل الدقيقة وترجمتها إلى عمل فني.
من خلال هذه الأعمال التي تركز على نقل المشاعر من خلال الفنّ نجد أن بيان ياسين تجسد رؤية عالِم الفنون إليوت إيسنر حول إمكانات الفنّ تجاه تعزيز الجزء العاطفي من الذات؛ إذ تركز بيان على استخدام الفنّ أداة للتعبير عن المشاعر وتوصيلها للناس. وفي تصويرها للمشاعر تتبع مبادئ إيسنر حول كيف يقدم الفنّ طرقًا لا تعتمد على اللغة. فمن خلال هذه الطرق، تكشف بيان عن العواطف والتجارب التي قد يصعب التعبير عنها باللغة اللفظية؛ فالفن منصة لفهم واستكشاف العواطف البشرية العميقة بطرق تتجاوز اللغة النمطية.
في الختام، يمثل الفن الرقمي قطاعًا بارزًا في عالم الفن المعاصر، ويوفر فرصًا غير مسبوقة للتعبير الفني، مما يمكّن الفنانين من التواصل مع جمهور أكبر وأكثر تنوعًا. يستثمر الفنانون السعوديون، مثل بيان ياسين، هذه الفرصة بنجاح، من خلال إنتاج أعمال فنية تصور المشاعر الدقيقة والحياة اليومية، تناقش القضايا الاجتماعية، وتحكي القصص وتحفز الحوار الإبداعي بين الثقافات. ومما لا شك فيه أنه مع تقدم التكنولوجيا الرقمية، سيواصل الفن الرقمي بالتأكيد تأثيره في المشهد الفني بطرق مبتكرة ومدهشة. هذه التطورات تحمل الوعد بالمزيد من الابتكارات الفنية، والتحدي للمعايير الفنية التقليدية.
Comments