متابعة: د.إبراهيم المرحبي، أ. د علاء الغامدي، أ. سمر المزيد، د. سماهر الضامن
تحرير: د. إبراهيم المرحبي
لم تكن الترجمة عبر التاريخ إلا نافذة مشرعة للحوار بين ثقافات الأمم والشعوب المختلفة، ووسيلة من وسائل التواصل العلمي والمعرفي والثقافي التي تلعب دورًا كبيرًا في تقريب الأفكار وتطوير آداب الأمم وثقافاتها عبر تساقيها فيما بينها مشكّلةً بذلك أنموذجًا من نماذج المثاقفة الحيّة، ولولا الترجمة – كما يقول الناقد الأمريكي جورج ستاينر- لكنّا سنعيش في مناطق يحاذيها الصمت، غير أن هناك بعض التساؤلات التي قد تثار في الذهن عادةً حول تأثر الترجمة بالعوامل السياسية والثقافية والاجتماعية والأيديولوجية، وعن الإشكالات المتعلقة بخصوصية اللغات التي قد تعيق ترجمة بعض النصوص الأدبية أو قد تتسبب في فقدانها لروحها ومضمون رسالتها، وعن خصائص الترجمة الأدبية وفاعليتها في إعادة تشكيل علاقة الفرد -العربيِّ- بلغته وثقافته، ثم عن دور المترجم المنوط به لتجاوز الصعوبات، وتقريب المسافات في كل ذلك. ومن هنا، جاءت نشرة سياق في سجال هذا العدد لتستقرئ آراء بعضٍ من المهتمين والمهتمات بالترجمة لتسلط الضوء على هذه التساؤلات الملحّة، ووضعها بين أيدي القراء والمهتمين.
في هذا السياق يرى أستاذ الترجمة بجامعة الملك عبد العزيز الدكتور محمد البركاتي أن نشاط الترجمة يتأثر بالعوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك بسبب "الرقابة التي تفرضها الأنظمة المختلفة على نوعية النصوص ومحتواها من كلمات أو مفاهيم قد تقع في دائرة المحذورات أو ما قد يعدُّ حساسًا أو مسيئًا في قُطر ما، ما يؤثر - بالتالي- في المحتوى المُترجم، ويمكن أن يؤثر - أيضًا- في الطريقة التي ينتهجها المترجمون في التعاطي مع هذه النصوص."
وهو ما يؤكده، بدوره، أستاذ الترجمة المساعد بجامعة جدة الدكتور وليد الصبحي؛ إذ يرى أن الترجمة "تتأثر -حقًا- بعدة عوامل تختلف من نص لآخر، ومن ثقافة لأخرى، ومن مكان وزمان لآخر، فمثلًا، تضع العوامل السياسية ضغوطًا كبيرة على المترجم بسبب انتماءاته وولاءاته ما يجعل الأمانة في نقل النص نسبية، وهو الحال نفسه بالنسبة للاختلافات الثقافية والاجتماعية بين الشعوب التي تمثّل عاملًا مؤثرًا في قرارات المترجم" الذي "قد يصطدم -من وجهة نظره- بعبارات لا يقبلها الذوق في ثقافة ما، بينما تعدها ثقافة أخرى مقبولة كالعبارات الجنسية والسباب، فهذه الأمور تشكل ضغطًا على المترجم فيضطر لتغيير النص الأصلي أحيانًا أو حذف هذه العبارات تمامًا، ومن ذلك ما نشاهده في ترجمة العبارات الخادشة للحياء في الأفلام السينمائية، واستبدالها بعبارات أكثر ملاءمة لثقافة المشاهد، مثل استعمال العبارة التلطيفية "تبًّا" كإحدى الحلول البديلة."
من جانبها ترى المترجمة الكويتية الأستاذة دلال نصر الله أن "التّرجمة كانت وما زالت آليّة من آليّات المعرفة، وجسرًا يصل بين الأنا والآخر من خلال التّأسيس لحوار ثقافي مُتعدّد الأبعاد، وهي تتأثّر بالعوامل السّياسيّة شأنها شأن جميع المجالات." وتشدد في هذا السياق على أهمية دور المترجم وضرورة اكتسابه "كفاءات (لغويّة، وثقافيّة، وبحثيّة، وتحليليّة) تُعينه على إنتاج خطاب في اللغة المصدر دون تدخّل فكري مُؤَدْلَج" على الرغم من - إقرارها- بأن الإشكالية "تكمن في أن بعض المؤسّسات التي لها أجندات سياسيّة تُرغم المُترجم -أحيانًا- على استخدام مُصطلحات بعينها فتُصبح (فلسطين أرضًا مُتنازعًا عليها) لا (أرضًا مُحتلّة)، ويُصبح (الشّهيد قتيلًا)." فالترجمة من وجهة نظرها "عمليّة مُناورة يُشرف عليها «حارس البوّابة» في اللغة المُستهدفة."
الأكاديمية الباحثة بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة الملك سعود الدكتورة نورة القحطاني تؤكد ما ذكره سابقوها؛ حيث ترى أن "ترجمة أي نص تشكِّلُ تحديًا لغويًّا وثقافيًّا وجماليًّا وأسلوبيًّا في الوقت نفسه، وتُظهر صعوبة بناء نص مترجَم يجمع بين نظامين ثقافيين ومرجعيتين تاريخيتين مختلفتين، خاصة أن المرجعيات الثقافية تختلف وتتشابك أحيانًا إلى حد التصادم." وتضيف الدكتورة قائلة: "إن المترجم في هذا الجانب لا يقوم بالترجمة فقط"؛ بل "بالتوسط بين ثقافتين إلى جانب التوسط بين نظامين لغويين"، "وكثيرًا ما يحذف المترجم أو يسقط مقاطع أو عبارات من النص الأصلي، وذلك لأسباب عديدة قد تكون سياسية، أو اجتماعية، أو ثقافية،" وهي بذلك تشدد على أهمية دور المترجم الفاعل في تجاوز مثل هذه التحديات، فالمترجم الخبير -وفقًا لها- "مثقف يهتم جيدًا بحساسية بعض الأنساق الثقافية المضمرة وغير المعلنة في أثناء ترجمة عملٍ ما قبل أن يتسلمه الجمهور المستهدف مطبوعًا ومنشورًا."
كما تشير د. القحطاني إلى صعوبة أخرى تواجه المترجم أحيانًا تتمثل في فهم "المترجم لبعض الرموز والإيحاءات لا سيما مع لغة مكثفة مليئة بالاستعارات والمجاز بشكل يصعب معه إيجاد مقابل في اللغة الهدف، كترجمة الشعر مثلًا، أو غموض بعض الكلمات والصفات المحكية بلهجة محلية متصلة بكثير من السياقات الثقافية الخاصة بمجتمع دون الآخر، وعندها يحتاج المترجم لكثير من البحث والجهد وربما التواصل مع مؤلف العمل –إن استطاع- لتفسير بعض اللهجات مثلا.".
أما عن دور العوامل الاقتصادية وتأثيرها في حركة الترجمة، فيستشعر الدكتور البركاتي أهمية هذا الدور قائلًا: "إن العوامل الاقتصادية هي شريان النشاط الترجمي؛ فالترجمة تحتاج دعمًا ماديًّا لتزدهر"، ويستشهد لأهمية هذا الدور بما كان "يجري في عهد الدولتين: الأموية والعباسية من حركة واسعة في الترجمة والتعريب، وكذلك بما يجري في العصر الراهن من حراك ترجميّ ملحوظ في المملكة العربية السعودية بدعم من وزارة الثقافة ممثلة بهيئة الأدب والنشر والترجمة ومبادراتها العديدة التي خدمت سوق الترجمة مؤخرًا، والتي لم تكن لتأتي إلا في ظل اقتصاد تنموي قوي." وهذا ما ينطبق على العوامل الاجتماعية أيضًا، فهي -من وجهة نظره- لا تقل أهمية عن سابقاتها: "فالاتجاهات المجتمعية تزيد سوق الطلب على لغات معينة، حيث إننا نشهد حاليّا اهتمامًا متزايدًا بلغات لم يكن لها رواجًا مجتمعيا، كالصينية أو اليابانية أو الكورية"، غير أنه يرى "أن الأعراف الاجتماعية قد تؤثر -أيضًا- في الترجمة، وفي الطريقة التي يتعامل بها المترجمون مع النصوص وخصوصيتها، فعلى سبيل المثال، قد يحتاج المترجمون إلى أن يكونوا على دراية باللغة الجنسانية أو المحرمات الثقافية عند ترجمة النصوص مراعين بذلك الأعراف المحلية في كل بيئة على الرغم مما نشهده -في عصرنا الراهن- من عولمة ثقافية واجتماعية ربطت الشعوب ببعضها، وأذابت بعض الحواجز الاجتماعية بين الثقافات." وهي رؤية تتسق مع رأي الدكتور الصبحي؛ إذ يرى أن "العوامل الاقتصادية تلعب دورًا مؤثرًا إلى حد ما في الترجمة، فعندما يتراجع الطلب على خدمات الترجمة، قد تقلل بعض الجهات من التكاليف، مثل أجور المترجمين والبرمجيات اللازمة للترجمة، مما يؤدي إلى تخفيض جودة الترجمة. بشكل عام، عندما يعي المترجم وجود هذه العوامل وتأثيرها في قراراته، يضفي ذلك المهنية على ترجماته، ويضمن إيصال الرسالة الصحيحة بأقصى درجة ممكنة من الدقة في الترجمة.""
في هذا الجانب يعلل الأديب والمترجم الأستاذ غسان الخنيزي الترابط الوثيق بين المترجم والعوامل المحيطة به؛ إذ يقول: إن "البعض يرى أن «إنشاء المعنى» هو فعل سياسي بامتياز. وذلك ينطبق على الترجمة، ربما أكثر من غيرها من مناشط الكتابة؛ فالمترجم دأبه العبور رواحًا ومجيئًا عبر تخوم اللغات والثقافات." فهو -من وجهة نظر نظره- "يمارس منشطًا ذا طابع أممي، وفيه شيء من صفات العلاقات الدولية." وأضاف: إن "اختياراته للمواضيع التي يترجمها -كما هي اختياراته للمعاني التي يراها في كل مفردة- هي اختيارات يحددها ويشكلها وعيه وثقافته بكل جوانبها؛ السياسية والاجتماعية والاقتصادية." ويؤكد الخنيزي أن ذلك "ينطبق أيضًا على أدوات الترجمة؛ فالقواميس التي يُنظر لها باعتبارها أداة قياسية ومحايدة غالبًا ما تأتي محملة بسردياتٍ متعددة؛ الشخصية منها، وهي التي تختص بالشخص الذي أنشأها وخياراته وأهوائه…إلخ، والعامة، وهي المتعلقة بالسياقات الثقافية التي ينشأ فيها المعجم، أو تتجدد حياته فيها عبر التحديثات الدورية (في الغرب خصوصًا) والتي يصاحبها بين حين وآخر سجالات حول إضافة مفردة جديدة، أو تعديل معنى مفردة شائعة، كما نجده -على سبيل المثال- في معاجم اللغة الإنجليزية وسجالاتها القائمة -مثلًا- حول تحديث المفردات ذات الصلة بالقضايا العرقية، والجندرية، أو تلك المرتبطة بحقل واسع من الدراسات الثقافية-السياسية المتمحورة حول الفكر النقدي ما بعد الكولونيالي."
ولئن كانت الترجمة تتكيف مع كل العوامل المحيطة بها شأنها شأن بقية المجالات التي تتفاعل مع محيطها تأثرًا وتأثيرًا، فإن المترجم لا يخرج -أيضًا- عن دائرة ظروف محيطه وعوامله المتنوعة، ويظل دوره المناط به متمحورًا حول وعيه بها ومحاولاته الفاعلة -عبر مهاراته المكتسبة لغويًّا، وثقافيًّا- في التعاطي معها وفقًا لهذه الظروف ومستجداتها. ومن هنا، يتفق الأستاذ غسان مع الأستاذة دلال في أن للمترجم دورًا حساسًا ومهمًا، فللمترجم -من وجهة نظره- "دور مناط به في الترحل والمرور عبر كل هذه السياقات للوصول إلى ترجمة، أو لنقل إلى "تفسير" يوائم ويستبطن كل المتغيرات والعوامل المذكورة آنفًا. وهذا ليس بأمرٍ جديد أو مسؤولية مستحدثة؛ فالترجمة هي نشاط بحثي في الأساس؛ إذ يمكن عند ترجمة قصيدة مقتضبة أن يستدعي الأمر فتح المعاجم، وكتب التاريخ والسير، والخرائط، والاطلاع على المنجز البصري، والثقافة الدارجة، وخربشات الجدران في الزمكان التي نشأت فيه معاني تلك القصيدة وانطلقت بعدها مثل كبسولة من المعنى أو المعاني عبر سياقات حضارية مختلفة."
أما على صعيد خصوصية النصوص وعوائق الترجمة التي ولّدت فكرة صعوبة ترجمة بعض الأجناس الأدبية، تقول الأستاذة دلال من واقع تجربتها في الترجمة بين العربية والإنجليزية والإيطالية: "هنا علينا أنْ نُميّز بين نوعين من عدم قابليّة التّرجمة حسب كاتفورد؛ اللغويّة والثّقافيّة، حتى وإن كان تطوّر دراسات التّرجمة المُستمر قد أفادنا في التّغلب على بعض الإشكالات من هذه النّاحيّة." وأوّل حل لإشكاليّة عدم قابليّة ترجمة بعض النّصوص – من وجهة نـظرها- هو الاعتراف بوجود الإشكاليّة، ومن ثمّ البحث عن منهج أو أسلوب ملائم لحلّها؛ لتقنين هوامش الخطأ بحجّة تعذّر التّرجمة." وتفضِّل في هذا السياق "استخدام التّورية والهوامش لتِبيان وتعليل ما قد يُفقد أثناء التّرجمة."
ومن جانبه يرى الدكتور البركاتي أن صعوبة ترجمة بعض النصوص "مرده لتعريف الترجمة نفسه وإلى المنظور الفلسفي الذي نرى الترجمة من خلاله، ففي الوقت الذي يقول فيه بعض منظري الترجمة من الوظيفيين أن كل النصوص قابلة للترجمة؛ نجد من يقابلهم من منظري الترجمة الذين يتحدثون عن المكافئ المقابل وأنواعه." ويؤكد أن ما يتفق عليه كل هؤلاء المنظرين هو "أن النصوص تتمايز في سهولتها وصعوبتها بحسب أنواعها وبحسب قارئها المستهدف وبحسب المساحة التي تبسط للمترجم للتعبير عن الفكرة العصية على النقل"، ويتفق هنا مع سابقيه على أهمية دور المترجم "وسعة اطلاعه ومهارته وخبرته في التعامل مع قيود اللغة المترجم إليها." ويشير د. البركاتي إلى أن "من بين النصوص التي نجد جدلًا كبيرًا حول إمكانية نقلها هي الشعر؛ وذلك لأن الشعر متعدد الوظائف، ففيه وظيفة دلالية تؤديها معاني الكلمات وتراكيبها، ووظيفة وجدانية تؤديها جماليات النص من صور إبداعية، وأوزان، وأسجاع، وقوافٍ." ويؤكد بدوره أن "الجانب الدلالي قد يكون سهل النقل، غير أن الصعوبة تكمن في نقل الجانب الوجداني، فهي مهمة صعبة حتى داخل اللغة الواحدة؛ لأن المعاني ليست كالأرقام متفق عليها؛ بل إنّ تفسير قيمة شيء أو معناه قد يختلف بين أفراد المجتمع الواحد، ناهيك عن نقله لمجتمع مختلف له معاييره القيمية التي يستمدها من خلفية ثقافية ودينية مستقلة."
كما وافقهم في ذلك د. الصبحي؛ إذ يرى "إمكانية الترجمة في العموم إلى أي لغة، ولكن في بعض الأحيان تكون هناك صعوبات بسبب اختلاف اللغات والتعابير والثقافات. ووفقًا لذلك، يمكن القول بصعوبة ترجمة بعض النصوص بشكل دقيق وصحيح للغاية." ويضيف أن هذا "يدخل فيما أطلق عليه منظرو الترجمة: "مالا يقبل الترجمة"، وهو مصطلح يشير إلى صعوبة أو عدم إمكانية ترجمة بعض المصطلحات أو المفاهيم من لغة إلى أخرى؛ بسبب وجود فروقات ثقافية ولغوية واختلافات في التركيبات اللغوية بين اللغتين المترجم منها وإليها." ويشير إلى أن ذلك "يتعلق بمفاهيم متعددة الدلالات أو بالتعبير عن مفهوم معين في لغة ما بطريقة مختلفة تمامًا عن التعبير عن المفهوم نفسه في لغة أخرى." وهنا يعود ليؤكد: أن الترجمة وإن كانت ممكنة في العموم إلا أن ترجمة بعض المصطلحات بدقة دون فقدان جزء من المعنى الأصلي يعدُّ صعبًا وغير متحقق"، ولذلك، فإن "مالا يقبل الترجمة" -في رأيه- "يمكن أن يشكل تحديًا كبيرًا للمترجمين" -مع إقراره- "أن هذه الصعوبات ما هي إلا جزء لا يتجزأ من عملية الترجمة؛ فلا أهمية أو حاجة حقيقية للترجمة إذا لم يكن هناك ما تصعب ترجمته أصلًا".
وعن إسهام الترجمة في إعادة تشكيل علاقتنا بلغتنا الأم، وثقافتنا، وهويتنا العربية، يرى د. الصبحي أن "الترجمة تعدُّ وسيلة مهمة لنقل المعاني والأفكار من لغات وثقافات أخرى إلى لغتنا الأم." ومن هذا المنطلق، يشدد على دور المترجم الفاعل في عملية الترجمة، قائلًا: "ويمكن القول بأن المترجم من أكثر المثقفين تفاعلًا مع قضية الهوية؛ حيث يتعامل مع نصوص من لغات أخرى محملةً بهويات ثقافية مقترنة بها عادات ومفاهيم مختلفة عما تمثله هويته الأصلية. وواجبه اتجاه هذه الهويات المختلفة أن يرسو بها بسلام إلى الضفة المقابلة التي ينتظر عندها القارئ الهدف وهو نصُّ الترجمة." ويضيف: "إن عملية الترجمة لا تخلو من قرارات حاسمة تتمثل في نقل القارئ إلى لقاء الكاتب الأصلي للنص (التغريب)، أو أن يجلب الكاتب للقاء القارئ في ضفته الثقافية (التوطين). ولذلك، يجد المترجم نفسه متحكمًا بهويتين، وبيده تغليب هوية ما على هوية أخرى. وهو ما بين هذا وذاك (حسب بعض المترجمين)، إما خائنًا لثقافته لإدخاله قيم غربية عليها ومشوهًا بذلك لهويته، أو مخفقًا لا يعدو عن كونه ناقلًا حرفيًّا للنص الأصلي." وهذا برأيه أمر يستطيع المترجم التغلب عليه، لأن "المتأمل لحركة الترجمة منذ القدم يجد أن الترجمة كانت عاملاً فعّالاً في إثراء الهوية الثقافية وتعزيزها، دون أن تقوم بإرباك مقوماتها الأصيلة، أو الذهاب بها للتبعية الثقافية. فمع أن النخبة تكون مسؤولة عن إنتاج الترجمة، إلا أن ثمار هذا الإنتاج تعود بالفائدة على المجتمع بأكمله، حيث تسهم في تعزيز الهوية الثقافية وتنويعها. ويكون الإسهام غير المباشر للترجمة ملموسًا على المستوى الثقافي العام، مما ينعكس إيجابًا على المجتمع بأكمله."
وهو ما يتفق عليه كلٌّ من الأستاذة: دلال نصر الله والدكتور: محمد البركاتي؛ إذ ترى الأستاذة دلال أن "التّرجمة الأدبيّة صيرورة تواصل وإبداع تحيلنا في نهاية المطاف إلى ذواتنا ولغتنا وثقافتنا. ولا يتحقّق هذا إلّا إذا كانت لدينا ترجمة لا تُريجمة؛ ترجمة يظهر فيها جُهد المُترجم ولسانه القويم"، وهو ما يتجلى في رأي د. البركاتي الذي يرى "أن الترجمة الرصينة لها أثر كبير في لغتنا العربية، فالتراكيب المهاجرة التي توطنها الترجمة (calques) ما تلبث أن تجد طريقها إلى لغتنا الفصيحة فتعبيرات، مثل: دموع التماسيح لم تلج إلينا دون الترجمة ولا القاتل المتسلسل ولا القاتل المأجور، وهو أمر قد ينظر له الكثير بأنه أثر إيجابي للترجمة بأن أسهمت في تطور اللغة بتقديمها مفاهيم وأفكار جديدة للغة ويمكن دمجها في اللغة الأم." وفي الإطار نفسه تشترك الدكتورة نورة القحطاني مع كل الآراء السابقة في أهمية الترجمة ودورها في تشكيل علاقتنا بذواتنا، وهويتنا، ولغتنا، وتضيف، قائلة: "إن الترجمة ستظل الوسيلة المثلى لتوطين العلوم وتوفير مصادر المعرفة باللغة العربية في البلدان العربية لربط العلم بالحياة، وتقريب المسافة الهائلة بينهما، وتسريع وتيرة البحث في مجالات المعرفة باللغة العربية تعزيزًا للتمسك بهويتنا باعتبار اللغة وعاء المعرفة. ويكمن التقدم والتطور في تعريب العلوم والمصطلحات لخلق البيئة العلمية الحقيقية التي تستوعب جميع مستويات العقول والاهتمامات. وأهم ما يستوجب حدوثه في عملية التعليم هو التواصل الفعال بين المرسل والمتلقي، واللغة بلا شك إحدى أهم وسائل التواصل، وفي ترجمة العلوم وتوطينها بالتأكيد ثراء تزدادُ به اللغةُ العربيَّة غنى ونمُوَّا. كما أن الترجمة تسهِل تناول العِلم، وتوسع مجال التعليم والتأليف أمام أبناء هذه البلاد، فيستفيد التلميذ، والأستاذ، والمؤلِّف، والمترجم، والناشر."
هيئة التحرير
رئيس التحرير
د. إبراهيم الفريح
مديرة التحرير
أ. سمر المزيد
أعضاء هيئة التحرير
د. إبراهيم المرحبي | د. رانية العرضاوي | د. سماهر الضامن | أ. د. علاء الغامدي
الهيئة الاستشارية
أ. د. سعد البازعي | د. هيفاء الفيصل | د. حاتم الزهراني | د. أحمد العطوي
تصميم ودعم تقني
أ. إبراهيم الثاني
للتواصل والمساهمة في النشرة
syaq@scl.sa
Коментарі